مع اندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011، كان حي القابون من أوائل الأحياء التي انخرطت فيها، بدءا من مظاهرة سوق الحميدية، ثم عبر مظاهرات يومية من داخل الحي، فواجه نظام الأسد هذا الحراك بحملات اعتقال وقمع وحصار وقصف، لكن أبناء القابون لم يتراجعوا، بل حملوا على عاتقهم مسؤولية توثيق الانتهاكات وتصوير المظاهرات، وكان من بينهم شباب نذروا أنفسهم لهذا العمل النبيل، واستشهد بعضهم أثناء أدائهم لهذه المهمة، فيما استمر الآخرون في التوثيق حتى سقوط النظام ودخول إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق وإعلان النصر.
وعقب سقوط نظام الأسد، عاد ناشطو القابون إلى نشاطهم، وبدأوا بالتواصل مع أهالي الشهداء لتحديث القوائم وتثبيت الحالات. وبعدما تم تجهيز قوائم الشهداء وبعض من قصصهم، اصطدم نشرها علنا بعوائق تقنية؛ حتى سبق شبابُ قطنا شبابَ القابونِ، واستطاعوا بهمّة الصديق الصحفي عبد الناصر القادري والمهندس محمد عرفة، إنشاء منصة "ذاكرة قطنا" لتوثيق أسماء شهدائهم. ولأن فكرة موقعهم كانت مميزة ومتقنة وقريبة مما أراد ناشطو القابون تحقيقه، تم التواصل معهم، وطلبوا المساعدة، فلبّوا النداء دون تردد، وقدمت شركة المهندس محمد (ArafasApp) موقعا مشابها لمشروعهم مع بعض التعديلات بالتبويبات، وحمل اسم "ذاكرة القابون". كما استضافت الشركة الموقع على خوادمها وتتابع دعمه تقنيا.
وفي غضون أيام، عرضت المنصة على الأهالي، الذين تفاعلوا سريعا وبدأوا بإرسال التوثيقات، التي خضعت للتدقيق والمتابعة. كما أرسل الأهالي قصص الشهداء، ليعاد صياغتها وتوثيقها لتبقى ذاكرة حية تخلّدهم وتنير درب الأجيال القادمة.
وهذه دعوة جديدة لجميع أهالي القابون للدخول بشكل دائم إلى المنصة، وقراءة أسماء الشهداء، وإضافة التعديلات في حال لزم الأمر، وكتابة قصص الشهداء والمغيبين الذين قضوا في معتقلات نظام الأسد، والتواصل مع المنصة للمساعدة في عمليات التوثيق، حتى يبقى التاريخ شاهدا، ولا تضيع حقوق من ضحوا بدمائهم في سبيل الحرية.
الذاكرة: سجل تاريخي، ورسالة وفاء
ولأن الثورة لم تكن مجرد لحظة عابرة في تاريخ القابون، بل كانت حياة كاملة عاشها أهلها بكل تفاصيلها: مظاهرات، تضحيات، قمع، صمود، وتهجير، وشهداء ارتقوا دفاعا عن الحرية، كان لزاما على من يكملون المسيرة أن يقولوا "لن ننسى"، وأن يحفظوا أسماء شهدائهم ويوثقوا قصصهم، حتى تبقى ذكراهم حيّة، منارةً للأجيال القادمة؛ من هنا كانت "ذاكرة القابون" كسجل تاريخي، ورسالة وفاء لكل من ضحّى بروحه، وصرخة حق في وجه النسيان.