العودة الى صفحة قصص الشهداء

الشهيد أسامة محمد طعمة: قصة بطل ولد غريبا ورحل غريبا

الشهيد أسامة محمد طعمة: قصة بطل ولد غريبا ورحل غريبا

وُلد أسامة محمد طعمة في الغربة، حيث كان والده يعمل في المملكة العربية السعودية، وكانت ولادته فرحة كبرى لعائلته، فقد جاء بعد ثلاث أخوات، فكان وحيدهم المدلل ونور البيت. كبر أسامة بين أحضان أسرته حتى بلغ الصف الثاني، ثم عادت العائلة إلى سوريا، حيث استقروا في حي القابون بدمشق.

في القابون، نشأ أسامة في بيئة عامرة بالعلم والإيمان، فأكمل دراسته في مدارس الحي، وكان من المتفوقين والمحبوبين بين أصدقائه ومعلميه. لم يكن التعليم الأكاديمي وحده هو ما شغله، بل التحق أيضًا بالجامع الكبير في القابون حيث حفظ القرآن الكريم، وكان يردد آياته بخشوع وتدبر.

بعد اجتيازه الثانوية، التحق أسامة بالمعهد التقاني للحاسوب والمعلوماتية، حيث تخرج عام 2011، لكن الأوضاع في سوريا كانت قد بدأت في التغير. اندلعت الثورة، ووجد أسامة نفسه في قلب الأحداث، حيث لم يتردد في الانضمام إلى المظاهرات السلمية التي شهدها حي القابون. كان يؤمن بالحرية والكرامة، وكان يرى في الثورة طريقًا لاستعادة الحقوق المسلوبة.

الصدمة الأولى: استشهاد صديفه

كانت أول صدمة في حياته عندما استشهد صديقه المقرب جمال عبد الواحد بجواره، أثناء مظاهرة تعرضت لإطلاق النار من قبل قوات النظام. يومها، بكى أسامة بحرقة، كما بكى أهله وأصدقاؤه على فقدان الشباب الذين سقطوا شهداء في تلك المظاهرة، والتي حصدت أرواح أحد عشر شهيدًا.

لم يتراجع أسامة رغم الألم، بل ازداد إصرارًا، لكن سرعان ما تذوق بنفسه قسوة الاعتقال، عندما أوقفه حاجز سيرونيكس وهو عائد من زيارة لصديقه. تعرض لتعذيب وحشي دام خمسة أيام، خرج منها بجسد مليء بالكدمات وعينين زرقاوين من شدة الضرب، لكنه خرج أكثر تمسكًا بموقفه.

وعندما اشتد القصف على القابون وبدأ التهجير القسري، حاولت أسرته إقناعه بالمغادرة، لكنه رفض أن يترك رفاقه، وبقي يقاتل إلى جانب الثوار. أُصيب خلال إحدى الغارات، لكنه تعافى وأصر على الاستمرار. ومع بدء تهجير أهالي القابون إلى الشمال، قرر النزول إلى الغوطة الشرقية حيث بقي مع الثوار، وواجه الحصار بكل صبر ورباطة جأش.

لم يكن لقاء الأهل متاحًا، وكان الاتصال الهاتفي هو الرابط الوحيد الذي يخفف من لوعتهم، حتى عندما أصيب مرة أخرى في الغوطة، لم يتراجع. تحدّث عنه رفاقه كثيرًا، وأثنوا على شجاعته وصلابته.

وعندما سقطت الغوطة بيد النظام، اضطر الثوار للنزوح إلى الشمال السوري، وهناك بقي أسامة مع أصدقائه في إدلب. حاولت والدته مرارًا إقناعه بالزواج، لكنه كان يجيبها بثبات: "ليس الآن يا أمي، حتى ننتصر ونعود إلى دمشق فاتحين."

لكن القدر كان له رأي آخر. في يوم 24 أبريل 2020، أول يوم من رمضان، وبينما كان أسامة في طريقه للإفطار عند أحد أصدقائه، تعرض لحادث سير. استشهد هو، ونجا صديقه. رفاقه أخبروا والدته أنه كان يقرأ القرآن أثناء الحادث، وكأن الله اختاره في لحظة طُهر وهو يناجيه بكلماته المباركة.

في المساء، انتظرت والدته مكالمته اليومية، لكنها لم تأتِ. بدلًا من ذلك، جاءها خبر استشهاده كالصاعقة. رحل أسامة دون وداع، ودُفن بعيدًا عن أهله ومدينته، كما وُلد بعيدًا. لقد عاش غريبًا، ومات غريبًا.

اليوم، عاد أصدقاؤه إلى دمشق، لكن لم يكن أسامة معهم. لم يكن مع الفاتحين كما كان يحلم، لكنه بقي خالدًا في قلوبهم وقلوب كل من عرفه. ترك وراءه قصة شاب أحب وطنه، وضحى بحياته في سبيله.

رحم الله أسامة محمد طعمة، وجعل مثواه الجنة مع الشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. صبر جميل، وبالله المستعان.

قصص ذات صلة

محمد خليل عليان.. شهيد الحرية على يد جلادي الأسد
قصص شهداء القابون

محمد خليل عليان.. شهيد الحرية على يد جلادي الأسد

اقرأ المزيد
زكريا آبيل.. شهيد العذاب والصبر
قصص شهداء القابون

زكريا آبيل.. شهيد العذاب والصبر

اقرأ المزيد
الشهيد الفتى الذي رفض الذل – عمر أحمد عليان
قصص شهداء القابون

الشهيد الفتى الذي رفض الذل – عمر أحمد عليان

اقرأ المزيد