في حي تشرين بمنطقة القابون، سُطّرت واحدة من أنبل قصص البطولة والتضحية، بعدما تم استهداف الحي من قبل قوات النظام بقذائف عشوائية، سقطت إحداها أمام الشاب طارق العرجاوي.
لم يُختر الهروب في تلك اللحظة، بل فُضّل إنقاذ الأرواح. تم إسعاف الجرحى على يد طارق، وأُسعف صديقه الذي أُصيب بـ5 شظايا خطيرة، رغم أن طارق نفسه كان قد أُصيب بشظية صغيرة ولم يشعر بها لكنها استقرت في الدماغ وتسببت بنزيف داخلي.
بعد إيصال صديقه إلى المشفى الميداني، شعر طارق بدوخة مفاجئة، ثم فُقد وعيه، ودخل في غيبوبة استمرت ثلاثة أيام. ورغم الجهود التي بُذلت لإنقاذه، لم تتوفر في القابون الإمكانيات اللازمة لعلاجه، بسبب الحصار الخانق والخوف الدائم من مداهمات النظام واستهداف المشافي الميدانية.
فُرض على عائلته اتخاذ القرار الأصعب: إخراجه من القابون لتلقي العلاج، في خطوة محفوفة بالخطر. استُخدمت هوية شقيقه المقيم خارج الحي، وتَم المرور عبر الحواجز التابعة للنظام، وسط توتر وخوف شديد من اكتشاف الأمر، فقد كان يُخشى أن يُعتقل طارق أو يُعدم ميدانيًا لمجرد الشك به، خاصة بعد أن أُصيب بقذائف النظام نفسها.
لكن بفضل الله، لم تُلاحظ الفروقات في الهوية، ومرّت دون كشف. نُقل طارق إلى مشفى الأندلس، حيث بقي لثلاثة أيام تحت المراقبة، لكن الإصابة كانت قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن علاجها، فارتقت روحه إلى بارئها، شهيدًا كما عاش، شجاعًا، صادقًا، وخلوقًا.
ولحماية شقيقه من الملاحقة، تم دفع مبلغ مالي لأحد العاملين في المشفى، ليتم إتلاف الضبط الطبي، ويُمنع تسجيل الوفاة على اسم شقيقه الآخر، تفاديًا لأي مساءلات أمنية من قِبل النظام.
لقد عُرف طارق بين أبناء الحي بطيب أخلاقه وكرم نفسه. كان بيتُه، القريب من "سرنكس"، ملجأً للناس وأماناتهم، وكان أول من أدخل فكرة كاميرات المراقبة في نقاط الحرس، ليحمي أهله وأحبّته بطرق بسيطة ولكن فعالة.
وفي لحظة وداعه، التفّ أكثر من عشرين من أصدقائه حوله في المشفى، حزانى، مكسورين، وكأنهم فقدوا أخًا من دمهم، لا مجرّد صديق.
نحتسبه عند الله شهيدًا، ونسأله أن يتقبله في عليين.