في زقاق حي القابون الدمشقي، حيث تنبض الحياة رغم قسوتها، وُلد محمد شريفة في 12 ديسمبر 1989، شابًا يحمل في قلبه من الطيبة ما يكفي ليملأ الدنيا نورًا. كان محمد الابن الأكبر في عائلته، فحمل على عاتقه مسؤولية الحب والعطاء، وظلّ مبتسمًا في وجه الحياة، حتى وهو يواجه الموت.
كان صاحب قلب رحيم، يسعى لمساعدة الفقراء والمحتاجين، ويمدّ يد العون لكل من حوله. لم يكن مجرد شاب عادي، بل روحًا مرحة تحلق فوق الهموم، يضفي على من حوله أملًا وضوءًا، ولم يكن يدري أن ابتسامته ستظلّ ذكرى محفورة في قلوب من عرفوه.
البداية مع الكاميرا: توثيق الحقيقة بدمه
مع اندلاع الثورة السورية، لم يحمل محمد السلاح، بل حمل الكاميرا، مدركًا أن للصورة وقعًا أقوى من الرصاص. كان من أوائل من وثّق المظاهرات في القابون باسم أبو بسام (عمر القابوني)، ويقال أنه صاحب فكرة مظاهرة الشماسي الشهيرة.
لم يتوقف عند ذلك، بل أصبح أحد مراسلي الخطوط الأمامية، لا يخشى القصف ولا الرصاص، بل كان يبحث عن الحقيقة بين الدخان والركام. انضم إلى المكتب الإعلامي لأحد الألوية العسكرية، وكان صوته يصل إلى العالم ليخبرهم بما يجري على الأرض. لم يكن مجرد ناقل للأحداث، بل كان جزءًا منها، عاشها بدمه وروحه، وكان المتحدث باسم اللواء تحت اسم زين الدين الشامي.
الاستشهاد: حين يُزف العريس إلى الجنة
في 19 يونيو 2013، وبينما كان في منزله في حي القابون، سقطت قذيفة هاون، لتُصيبه شظايا في رأسه، دخل إثرها في غيبوبة دامت ثلاثة أشهر. كانت أيامًا من الانتظار، حيث تعلقت الأرواح بأمل ضعيف، لكن الموت كان أقرب.
في 6 أكتوبر 2013، رحل محمد شريفة عن الدنيا، لكنه لم يرحل عن ذاكرة الثورة. لم يكن قد مضى على زفافه سوى ثلاثة أشهر حين أصيب، وحين رحل، ترك خلفه طفلًا لم يرَ والده حيًا، لكنه سيكبر ليحمل إرثًا من الشجاعة والحق.
رثاه أصدقاؤه وعائلته بعبارة: "عريس لم يُزف في الدنيا، لكن الله زفّه إلى الجنة".
هكذا كان محمد شريفة، رجلًا كتب تاريخه بدمه، فخلّد اسمه بين شهداء الحقيقة.