في شتاء عام 2012، حين كانت سماء دمشق تشتعل بالقصف وأرضها تموج بالاعتقالات، خرج الشاب رضوان آبيل من عمله في شارع بغداد، غير مدرك أن هذه هي المرة الأخيرة التي تطأ فيها قدماه طرقات المدينة التي أحبها.
كان يوماً عصيباً، تتخلله حملات الاعتقال العشوائية التي تستهدف كل من كُتِب في هويته أنه من أبناء جوبر أو القابون، فقد كانت هذه الأحياء مهد الثورة وصوت الأحرار. في ظل هذا الخطر الداهم، اتصلت به أخته سناء أحمد آبيل، ترجوه ألا يعود إلى القابون، أن يبقى في مكانه بعيداً عن الأعين المتربصة. لكنه، كعادته، أبى أن يترك أمه وأخته وحدهما في هذا الوضع العصيب.
ظل قلب سناء معلقًا به، تتصل به مرارًا وهو في طريقه، تطمئن عليه حتى وصل إلى كراجات العباسيين، حيث انقطع الاتصال فجأة. لم يعد رضوان إلى البيت، غاب وحيد أمه، وفقدته عين أخته التي كانت لا ترى في الدنيا عزاءً غيره. بدأ الانتظار الموجع، والبحث المتواصل في السجون والمعتقلات والمشافي، لكن دون أثر.
مرّت الأعوام، وامتد الانتظار إلى أربعة عشر عامًا، وكل يوم كان الأمل يتآكل شيئًا فشيئًا. حتى سقط الطاغية، وانفتحت السجون التي طالما التهمت الأحرار، لكنها لم تُعد رضوان. لم يكن هناك أي أثر له، لا جثمان، لا قبر، لا خبر يقين.
رضوان شهيد في مذبحة مروعة
وجاءت الحقيقة، محمولة على لسان شاب نجا بأعجوبة من مذبحة مروعة. كان قد اعتُقل مع رضوان وآخرين، ووجد نفسه في ذلك المكان الرهيب حيث انهالت عليهم رصاصات الغدر في عش الورور. أصيب الشاب بجروح بالغة وسقط بين جثث الشهداء، لكنه لم يفقد الوعي بالكامل. كان يسمع أصوات الطلقات، يشعر بدماء رفاقه تمتزج بدمه، لكنه ظل ساكنًا، يتظاهر بالموت حتى لا يلحق بهم.
يروي الشاب أنه وبعد ساعات من الصمت المخيف، ومع بزوغ الفجر، حاول أن يتحرك، ليجد نفسه وسط بحر من الأجساد المسجّاة. كان بجواره شاب صغير ما زال يتنفس بصعوبة. وبمعجزة إلهية، تمكنا من الهروب بعد أن استجمعا قواهما وابتعدا عن المكان.
كانت العائلة تنتظر خبراً، لكنها لم تتوقع أن يكون بهذه القسوة. غابت الشمس عن بيتهم منذ ذلك اليوم، وبقيت الجراح مفتوحة، فليس من عادوا لجثمانه ليقبّلوه، ولا من قبر يبكون عنده. وحدها الدموع كانت شاهدة، ووحدها صرخات القلب كانت تُسمع في الخفاء.
رحم الله رضوان آبيل، شهيد الوطن، شهيد الوفاء، شهيد الإيثار. غاب بجسده، لكنه ظل حاضرًا في القلوب، وظلت روحه تحلق في سماء دمشق، حيث ناضل، وحيث استشهد، وحيث لن ينساه الأحرار أبدًا.